هل ينقلب "الجماعة" على مؤلفه كما انقلب الإخوان على مرشدهم؟



لذلك خلق الله الندم" هى الجملة الأخيرة التى أنهى بها المخرج محمد ياسين آخر حلقات مسلسل الجماعة من إبداع الكاتب الكبير وحيد حامد بعد أن وضع الملامح الأخيرة للصورة التى رسمها وحيد حامد للشيخ حسن البنا مؤسس الجماعة، ولكنها لم تحمل إجابة واضحة لما أراد العمل أن يقدمه عن هذه الشخصية المثيرة للجدل، فالوسطية الشديدة فى تناول الشخصية جعلت كينونتها غير مفهومة للمشاهد حتى مع التفاصيل العديدة التى كشفها المسلسل فى رحلة تكوين الجماعة بداية من التمويل الدينى والمعنوى والمالى من الملك عبد العزيز آل سعود حاكم أرض الحجاز ثم ترسيخ الجماعة لمبادئ العنف مع تكوين فرق الجوالة انتهاء بالجناح العسكرى للجماعة الذى أسسه عبد الرحمن السندى.

كان من الواضح، أن أحداث المسلسل تلعب على الحبلين، فهو لم يجزم بتورط حسن البنا فى هذه الأحداث الإرهابية التى راح ضحيتها الأبرياء من هذا الوطن ولم يجزم ببراءته ولكن الوسطية فى معظم هذه الأثناء كانت غالباً ما تأتى لصالح البنا خصوصاً، وأنه شخص غيور على الدين والإسلام وهدفه الإصلاح وفى إطار أننا بشر خطاءون ولسنا ملائكة أو شياطين، فإن أى تجاوزات فى سبيل هذه الغاية تكون مقبولة بالنسبة للمشاهد الغيور على الدين خصوصا وأن العمل أظهر حسن النوايا متوفرة لدى حسن البنا حتى مع تأسيسه لفرقة الجوالة وتدريبهم على الأعمال القتالية ثم تأسيس تنظيم سرى مسلح فيما يعد جناحا عسكرياً للجماعة مع الوضع فى الاعتبار أن أعمال العنف هذه جاءت ضد شخصيات ظل إعلامنا يشوه فيها لأكثر من 60 عاماً أى أن استخدام العنف ضدها سيأخذ بنفس الاعتبار لأعمال الاغتيالات التى تم تنفيذها فى الإطار ذاته والتاريخ اعتبرها أعمال بطولية كاغتيال أمين باشا عثمان، خصوصاً أن مغتالة محمد أنور السادات الذى أصبح رئيساً للجمهورية فيما بعد وبطل الحرب والسلام حسبما أكده المسلسل، فلن يؤذى المشاهد بشكل كبير إذا شاهد "اغتيال النقراشى باشا" على نفس المنوال أو غيره من الشخصيات التى تبرمجت عقول الناس على كرههم باعتبارهم فاسدين، فهم رجال النظام الملكى الفاسد الذى قامت الجمهورية على أنقاضه، "مع العلم أن البنا لم يتفحل نفوذه إلا فى حضن الملك فاروق" حسبما ورد على لسان أحمد الفيشاوى الذى جسد شخصية الملك فاروق، قائلاً: عن نفسه "محدش بيربى ديب جوه بيته يا باشا".

أضف إلى ذلك الحرص الشديد لسيناريو المسلسل فى إظهار حسن البنا مغلوب على أمره وأنه يفاجأ بالعمليات الإرهابية ويقرأ عنها مثل أى مواطن ولكن فى الحقيقة أن محاولة وحيد حامد فى إبراء حسن البنا لم يحالفها الحظ، لأنه ببساطة هو الذى رسخ لأعضاء جماعته أفكار الجهاد ضد الخارجين عن الدين ثم بدأ فى شراء السلاح، وتأسيس جناح مسلح للجماعة ومن قبله فرقة للجوالة رسخ فى أعضائها مبادئ الإرهاب والعنف وتخويف المعارضين، بقولة فى أحد مشاهد المسلسل عندما تعارك احد شباب الجماعة من طلبة الجامعة مع طلبة من تيارات أخرى، وعندما يسأل حسن البنا فيقال له "شبابنا هم الذين غلبوا فى المشاجرة" فيقول "هذا أكيد لأنهم مدربين على خوض المعارك" وهذه فى حد ذاتها عبارة تؤكد توافر النية لاستخدام العنف وأيضا شراء السلاح وتدريب التنظيم السرى، والسؤال: كيف يتوفر حسن النية عند حسن البنا بعد أن تعاقد على شراء السلاح وتدريب الشباب على استخدامه والاستعانة بعبد الرحمن السندى لتدريبهم؟ وإذا اعتبرنا بالمبدأ القانونى الذى يقول أن حمل السلاح يحمل النية لاستخدامه، فمجرد توافر النية لاستخدام العنف هو أمر يستحق الإدانة.

كان جلياً أن نية الكاتب الكبير وحيد حامد منذ المشاهد الأولى للعمل أنه يريد أن يكون موضوع الاتهام هى الجماعة بكينونتها منذ نشأتها وحتى الآن، وليس شخصا بعينه، حتى لو كان مؤسسها، لنرى تلك الجماعة التى بدأت لمناصرة الدين وإصلاحه، ثم توحشت بعد أن انخرطت فى السياسة التى أفسدتها وحملتها إلى العنف لتتحول إلى ذئب أو وحش شرس لا يعرف الرحمة، يصعب السيطرة عليه، تغتال كل من يقف أمام مصالحها حتى لو كان مرشدها نفسه، وهذا ما قاله حسن البنا فى المشهد الأخير للجماعة "أنا مرشد مخلوع لا ينقص سوى إعلان هذا "ثم يقول أيضا" اللى مش هيقدر يخلعنى هيقدر يقتلنى" ثم يقول الشيخ حسن "ياريت الأيام اللى راحت ترجع كنت اكتفيت بمائة شاب أعلمهم أصول الدين واقف بهم يوم القيامة"، فيرد عبد العزيز "لكن الأيام الماضية لا تعود"، فينهى حسن البنا بعبارة "لهذا خلق الله الندم"، فيما يلمح قبلها أن البنا كان يعرف عن هذه العمليات الإرهابية وكان يرفضها، تلك العمليات التى راح ضحيتها الأطفال والنساء فى مشهد يعد الأروع على بالمسلسل عندما ألقى موظف المحكمة القنبلة فى الشاعر، وفى الوقت ذاته يعرف أسرار الخلايا السرية للجناح العسكرى، ويرفض الإرشاد عنها - ما هذا التناقض؟- ونعرف بعد هذا أن سبب رفض البنا هو الخوف من أن يقتل على يد الجماعة، وإذا قارنا بين هذا الموقف وبين موقف مرشد الجماعة عام 2006 عندما كان محرضاً لأحداث العرض العسكرى وفى الظاهر يعلن استنكاره نصل إلى معنى آخر قدمه المسلسل، خصوصاً أننا فى بعض الحلقات كنا نجد الوجه القاسى لحسن البنا الطامح فى الزعامة والسلطة والذى يحاول اللعب مع الملك تارة والوفد تارة أخرى للحفاظ على نفسه والجماعة وأن كانت صورة الوصولية هذه ذابت بين مواقف عديدة ظهر فيها البنا كقائد بطولى.

على أية حال وبعيداً عما حملته نوايا وحيد حامد فى هذا العمل إذا كان مغرضاً ضد الجماعة أو موضوعياً - فأنت لا يمكن أن تخرج من مسلسل الجماعة إلا محباً لحسن البنا حتى لو كان المشاهد مسيحياً، فحسن الذى كانت معرفة أى تفاصيل عن حياته باتت شحيحة أصبح كل بيت مصرى يعرفه ويقدره على الأقل، لعل هذا يشبه ما حدث مع البنا نفسه، عندما انقلب السحر على الساحر ولم يفلح البنا فى أن يصرف العفريت الذى أحضره، فهل ينقلب المسلسل على مؤلفه كما انقلب الإخوان على مرشدهم؟ خصوصا أن حامد له خبره مماثلة فى مسلسل "أوان الورد"، الذى أراد منه أن دعم الحب بين المسيحيين والمسلمين، إلا أنه لم يرضَ عنه عناصر من الطرفين.

إذا وضعنا فى الاعتبار، أن هذه المعطيات فى شخصية حسن البنا مع الإتقان الشديد الذى بلغه إياد نصار، فلا يمكن أن يكره المشاهد شخصية يجسدها فنان بجاذبية إياد، وموسيقى عمر خيرت التى تذيب القلوب، وطبيعة عرض أسماء الممثلين التى نشعر خلالها أن للمسلسل طبيعة العمل الوطنى، كل هذا يجعل أى مشاهد يتعاطف بل يحب حسن البنا.. الشخصية التى حملت كل هذا النبل وغدر بها تلاميذه فى النهاية، خصوصا فى المشهد الذى بكى فيه البنا على حل الجماعة مثل الأطفال ومشهد تعذيب قاتل النقراشى، والواقع أن التعاطف مع حسن البنا مؤسس الجماعة، أخطر بكثير من التعاطف مع الجماعة ذاتها.

0 التعليقات: