حسونه مصباحي: الغرب يبحث عن أناس يتاجرون بآلام شعوبهم



حسونه مصباحي: الغرب يبحث عن أناس يتاجرون بآلام شعوبهم

يعد الكاتب التونسي حسونة مصباحي من أهم كتاب المغرب العربي، فهو صاحب إنتاج فكري وأدبي متميز، وتتميز أعماله بخصوصية أدب الرحالة الذي يتجول بين الثقافات المختلفة ينقب فيها ويكشف منابعها. وفي ليالي مهرجان الأدب العالمي المُقام في برلين من 15 من سبتمبر (أيلول) وحتى 25 الشهر الجاري كان ذو حضور متميز. مصباحي التقى هناك بالجمهور الألماني والعربي، وقرأ عليه مقاطع من روايته المعروفة "هلوسات ترشيش". ومن خلال مداخلاته وحوار خص به دويتشه فيله تحدث أيضا عن رؤيته حول مشكلة الإرهاب وتعامل الديمقراطيات الغربية معها.

ممارسات على خلفية مصالح باسم الديمقراطية
وفي معرض الحديث معه تحدث عن الجسور الثقافية بين الغرب والبلدان العربية من ناحية، وأزمة الإرهاب من ناحية أخرى، وفي معرض حديثه انتقد بعض ممارسات البلدان الغربية التي تتم باسم الديمقراطية ،إذ قال: "الغرب ينظر إلينا من خلال آلامنا، ويبحث عن أناس يتاجرون بآلام شعوبهم باسم الديمقراطية، فإذا حدثت مأساة يقول الغرب لهؤلاء الناس اكتبوا عنها"، ويتساءل: "هل يتحدث الأدب عن المآسي فقط"، وفي نبرة انفعالية عن ثقافة التواصل بين البلدان العربية والغرب يقول بأنها : "ثقافة المصالح والحسابات، إذ أصبح العالم ينظر لنا من خلال أناس لا علاقة لهم بالثقافة،... وهذا أحد أسباب عودتي"، ويقارن مصباحي بين دعم الغرب لهؤلاء والاعتماد عليهم في التواصل الثقافي، وبين ما حصل في أوائل الثمانيات، فقد أعطت الدول الغربية للأصوليين آنذاك فرصتهم الذهبية من خلال "فتح الأبواب على مصراعيها لأشخاص أصوليين"، وعندما ارتكب أصوليون أفعالهم الإرهابية، "بدأ الغرب يحاسب الجميع بعدما وضعهم في سلة واحدة، ... الغرب مسؤول بدرجة كبيرة عن هذا الخراب". ويرى مصباحي بأن مثل هذه الممارسات صنعت هوة كبيرة بين الشرق والغرب.
التعددية إثراء للحياة الثقافية في العالم العربي

وعن حضوره مهرجان الأدب العالمي في برلين هذا العام يقول مصباحي "لا أمثل في المهرجان فقط ثقافة بلدي تونس، بل ثقافة المغرب العربي، والثقافة العربية بصفة عامة، فنحن نكتب بنفس اللغة، ولنا نفس الهموم، وبالتالي حضوري هو حضور عربي تونسي ومغاربي". وعن وجهة نظره في مسألة التعدد الثقافي في البلدان العربية ذكر بأن التعددية شيء مهم جدا في الثقافة، "لابد أن نقول أن هذا التعدد هو إثراء للثقافة العربية..."، كما ذكر بأن كل بلد يتميز بأدبه الخاص وثقافته الخاصة، "هذا هو شأننا الآن، لابد أن نحترم التعدد الثقافي في العالم العربي، وأن يكون التعاون بيننا على أساس فهم الخصوصيات لكل ثقافة في كل بلد عربي على حدة".
العودة من ألمانيا إلى الوطن الأم

ومن المعروف أن الكاتب مصباحي أقام في ألمانيا من 1985 إلى 2004، وصدر له العديد من الروايات منها الآخرون، ووداعا روزلي، وحكاية تونسية، كما صدر له في القصة القصيرة ليلة العرباء، والأميرة الزرقاء. وحصل على عدة جوائز منها جائزة توكان لأفضل كتاب بمدينة ميونيخ في عام 2000 عن رواية "هلوسات ترشيش"، وجائزة كومار التقديرية عام 2004.
من خلال أعماله اهتم مصباحي بموضوع العودة من المهجر، وخصص له روايته "هلوسات ترشيش"، ففي الرواية يحاول الكاتب تشخيص أمراض الغربة، التي تصيب المهاجر العربي في مهجره، فمن خلال عبد الفتاح بطل الرواية يتتبع الكاتب مصباحي رحلة عودته من خلال شخصية المهاجر عبد الفتاح في الرواية.
ومن جملة ما يعرضه أن عبد الفتاح راح ضحية العزلة و الوحدة التي عاشها في الغربة، حيث انقطاعه لمدة عشرة أعوام عن الجذور التي كان ينتمي لها، وحين عودته إليها وجد أنه لا مكان له فيها، وهذا كما جاء في نص الرواية، "أليس من الأفضل أن تعود من حيث أتيت، كما نصحك عمار، فز بنفسك وعد!، عد إلى منفاك من جديد! عد إلى ضبابك وعزلتك وصمتك!، عد!...".
ويبدو أن لغز الرواية يكمن بين عودة عبد الفتاح وعودة الكاتب حسونة مصباحي بطل سيرته الذاتية، فبعد غياب عاد عبد الفتاح إلى ترشيش، وهو الاسم الذي كان يطلق على مدينة تونس القديمة، كما عاد مصباحي إلى وطنه الأم تونس بعد غياب عقدين من الزمن. فهل الرواية هي تسجيل لحياة كاتبها؟ عن هذا الموضوع يتحدث الكاتب حسونة مصباحي لدويشه فيله قائلا: "من المؤكد أن كل الجوانب الذاتية للكاتب تنعكس على عمله، أحببنا ذلك أم كرهنا، وهناك أشياء مني في هذه الشخصية..."، ويكمل قائلا: "وربما أقول أن جزءا كبيرا من تشكل هذه الشخصية هو موجود في التشكل الذي حدث لي..."
هاني غانم – برلين

0 التعليقات: