كتاب يرصد سنوات المنفى للزعيم المصري أحمد عرابي ورفاقه في جنة آدم
فبعد فشل الثورة ومصادرة أملاك الثوار ونفيهم الى الجزيرة الواقعة جنوبي شبه القارة الهندية تقرر منحهم 30 جنيها مصريا في الشهر وهو مبلغ لا يفي بأعبائهم من معيشة وعلاج ومصاريف أبنائهم في المدارس بعد الموافقة على اصطحاب ذويهم الى المنفى.
وتقول لطيفة محمد سالم ان ثورة عرابي التي بدأت أحداثها عام 1881 "أول ثورة دستورية في المنطقة بأكملها" تطالب بالتغيير بعد أن خضع الخديو توفيق الذي حكم بين عامي 1879 و1892 للتدخل الاجنبي وخاصة بريطانيا التي سارعت الى إجهاض الثورة واحتلال مصر عام 1882 بعد فشل الثورة لأسباب داخلية وخارجية اضافة الى صدور منشور من السلطان العثماني قال فيه ان عرابي مارق فانفض الناس من حوله.
وتضيف في كتابها (عرابي ورفاقه في جنة آدم) أن جزيرة سريلانكا التي كان اسمها سيلان آنذاك كان يطلق عليها "جنة آدم اذ ساد الاعتقاد أنها الارض التي وطئت عليها قدم آدم فور خروجه من الجنة وهو ما رددته بعض المصادر الاسلامية."
والكتاب دراسة وثائقية تشمل الفترة بين عامي 1883 و1901 ويقع في 157 صفحة كبيرة القطع وصدر في القاهرة عن دار الشروق.
ورفاق عرابي الستة في المنفى هم علي فهمي وعبد العال حلمي ومحمود سامي البارودي ويعقوب سامي ومحمود فهمي وطلبة عصمت.
ويتذكر كثير من المصريين بفخر كيف وقف عرابي والثوار أمام مقر الحكم (قصر عابدين) في التاسع من سبتمبر أيلول 1881 متحديا الخديو توفيق وأعلن مطالب الامة في نداء مأثور "لقد خلقنا الله أحرارا ولم يخلقنا تراثا ولا عقارا. فوالله الذي لا اله الا هو لا نُورث ولا نُستعبد بعد اليوم" لكن الامور سارت على عكس ما أراد عرابي الذي خذله السلطان العثماني وأعلن أنه عاص وهزم جيش عرابي.
وأصدر توفيق منشورا أعلن فيه "لجميع المصريين بأن الشقي العاصي أحمد عرابي قد ارتكب اثاما فظيعة جعلت دول أوروبا ناقمة على مصر وباتت الان تعتبر المصريين أمة غير متمدينة وهذه الجرائم والاثام منحصرة في عصيان عرابي المذكور وتحريضه لرعايانا على السير تحت لواء عصيانه لاوامر حضرتنا وهي الاوامر التي صدرت اليه بالانقطاع عن اغضاب الانجليز وعدم منعهم من نزول الاسكندرية التي أضرم فيها عرابي النار. كل شخص يعرف عنه أنه ميال أو ذو ضلع مع العاصي ابن العاصي والكافر ابن الكافر أحمد بن محمد عرابي عددناه عاصيا مستحقا لجزاء العصيان. وكل من يصر على عصيانه وانقياده للشقي المذكور أعلاه سيكون مذنبا أمام الله...العساكر الانجليزية يعتبرون نائبين عنا في قطع دابر عرابي ومن معه من المفسدين العصاة."
وأقام توفيق في سبتمبر أيلول 1882 الولائم لجيش الاحتلال البريطاني بمناسبة هزيمة عرابي ومنح القادة البريطانيين أوسمة ونياشين منها سيف مطعم بالعقيق وطبنجة مطعمة بالمزمرد والالماس.
وتقول لطيفة في كتابها ان الحكومة البريطانية كانت ترغب في اعدام عرابي على يد الخديو "بناء على محاكمة شكلية" وان الصحافة البريطانية أيدت هذا الامر لكن التقارير القادمة من الهند سجلت التفاعل الاسلامي تجاه المحاكمة كما لعبت المعارضة في البرلمان البريطاني دورا في التراجع عن توجيه المحكمة نحو اعدام عرابي الذي دافعت عنه صحافة حزب الاحرار "باعتباره من أبطال الحرية" وأدت الضغوط الى أن يطالب الرأي العام البريطاني بمحاكمة عادلة.
وبعد صدور حكم المحكمة في الثالث من ديسمبر كانون الاول 1882 بادانة عرابي ورفاقه بتهمة العصيان تذكر المؤلفة طرفة "أنه صدر الامر باقصائهم من الجيش الذي لم يكن له وجود بعد حله عقب دخول الجيش البريطاني القاهرة" كما صودرت أملاكهم. وقبيل المغادرة توالت الهدايا سرا على عرابي من "السيدات الارستقراطيات" وتنوعت بين سجادة للصلاة والمصحف وحقيبة سفر.
وترصد حرارة استقبال المسلمين من أهالي سريلانكا ومن مسلمي الهند والملايو اضافة الى بعض الطوائف البوذية لعرابي ورفاقه بمجرد الهبوط من السفينة حيث ارتفع الصياح والهتاف "وأسرع البعض ليقبل يده" باعتباره رمزا وطنيا وشخصية مدافعة عن الاسلام.
وتضيف أن عرابي ورفاقه أقروا بأنهم "أصبحوا أسرى حرب" في سريلانكا لكن لونجدن حاكم الجزيرة كان يستشعر أن في الهند وسريلانكا خطرا يتمثل "في امكانية قيام حركة اسلامية والخوف من النظرة للمنفيين على اعتبار أنهم أبطال ومخلصون لوطنهم وأن عرابي يعد قائدا من قواد المسلمين" الذين كان عددهم في الجزيرة انذاك 200 ألف شخص يتكلمون اللغة العربية "كما يتكلمها المصريون" ولهذا فرضت الرقابة على تحركاتهم ولم يسمح للجمهور بالاتصال بهم أو دخول منازلهم كما تلقوا تحذيرا ألا يغادروا الجزيرة الى الهند.
ومن التحذيرات التي تلقوها "ألا تكون لهم صلة بالسياسة أو الاتصال بمصر" حيث فرضت الرقابة على مراسلاتهم مع ذويهم في القاهرة وأبلغهم بذلك حاكم الجزيرة "بعد إرسال خطابات لمن كانوا يعملون معهم في الثورة" وكان وزير المستعمرات يشتبه أن تكون بين عرابي "وبين المهدي في السودان" خطابات متبادلة.
واعتبر رئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل (1874-1965) في كتابه (حرب النهر) الزعيم محمد أحمد المهدي "أعظم أبطال عصره" ففي عام 1883 تجمع أكثر من 40 ألف مقاتل تحت علم المهدي الذي رفض الاستسلام للجنرال هيكس وبعد قتل الاخير تمت الاستعانة بالجنرال جوردون الذي وجد نفسه بعد وصوله الى الخرطوم عام 1884 "محاطا بحركة وطنية جبارة" وسجل جوردون أن "المرء يجد تسلية في تصور هذا المزيج العجيب من البشر الذي يرافق المهدي. أوروبيون قساوسة وراهبات. اغريق وضباط نمساويون." وقتل جوردون أيضا وأجليت القوات البريطانية وأصبح المهدي حاكم السودان ثم تعرض بعد أشهر لمرض أدى الى الوفاة.
0 التعليقات:
إرسال تعليق